فصل: (فرع: بيع العربان)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: بيع ما تختلف أجزاؤه]

إذا باع ما لا يتساوى أجزاؤه، مثل: الأرض والدار والثوب.. ففيه مسائل:
منها: إذا قال: بعتك هذه الأرض، أو هذه الدار، أو هذا الثوب بكذا.. صح البيع وإن لم يعلما مبلغ ذرعان ذلك؛ لأنها معلومة بالمشاهدة.
وكذلك: إذا قال: بعتك نصف ذلك، أو ربعه.. صح.
وإن قال: بعتك جميع ذلك، كل ذراع بدرهم.. صح، وقال أبو حنيفة: (لا يصح في شيء منها، بخلاف الصبرة). وقد مضى الدليل عليه في الصبرة.
وإن قال: بعتك من ذلك، كل ذراع بدرهم.. لم يصح؛ لأن من للتبعيض.
وإن قال: بعتك عشرة أذرع منها، وهما لا يعلمان مبلغ ذرعان الأرض والدار والثوب.. لم يصح؛ لأن الأجزاء مختلفة.
وإن قال: بعتك عشرة أذرع منها، وهي مائة ذراع.. صح البيع في عشرها.
وقال أبو حنيفة: (لا يصح).
دليلنا: أن عشرة من مائة عشرها، ولو قال: بعتك منها عشرها.. صح، وإن قال: بعتك من هاهنا إلى هاهنا، وبين الابتداء والانتهاء، في الأرض، والدار، والثوب الذي لا تنقص قيمته بالقطع.. صح البيع؛ لأنه معلوم.
وإن قال: بعتك عشرة من هاهنا، ولم يبين الانتهاء.. ففيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأن ابتداءه معلوم، والسمت والجهة التي باع منها معلومان.
والثاني: لا يصح؛ لأن الذرع قد ينتهي إلى موضع، يخالف موضع الابتداء.. فلم يصح.
وإن كان الثوب ينقص قيمته بالقطع، فقال: بعتك من هاهنا إلى هاهنا، أو بين الابتداء دون الانتهاء، وقلنا: يصح.. فهل يصح في هذا؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ وإليه ذهب ابن القفال في " التقريب " ـ: أن البيع يصح، كما قلنا في الدار والأرض، ولأنه قد رضي بما يدخل على نفسه من الضرر.
والثاني ـ حكاه ابن القاصّ في " التلخيص " نصًّا، ولم يذكر الشيخ أبو حامد في "التعليق" غيره ـ: أنه لا يصح؛ لأنه لا يمكن تسليمه إلا بضرر يلحقهما، بخلاف الأرض والدار.
قال ابن القاص: وهكذا إذا باع ذراعًا من أسطوانة من خشب.. فإنه لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى الضرر، وإن كانت من آخر.. جاز.
قال ابن الصباغ: وهذا يفتقر إلى أن يشترطا انتهاء الذراع إلى انتهاء آخره، فلا يلحقه الضرر بذلك، فأما إذا كان انتهاؤه إلى بعضها: فإن في كسرها ضررًا.

.[فرع: الاستثناء في البيع]

إذا استثنى معلومًا من مجهول في البيع، مثل: أن يقول: بعتك ثمرة هذا البستان إلا قفيزا منها، أو هذه الصبرة إلا قفيزًا منها، وهما لا يعلمان قفزانها، أو هذه الدار،
أو هذا الثوب إلا ذراعًا منه، وهما لا يعلمان عدد الذرعان.. لم يصح البيع، وبه قال أبو حنيفة.
وقال مالك رحمة الله عليه: (يصح البيع).
دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع المزابنة والمحاقلة والثنيا»، يعني: الاستثناء.
وظاهر هذا: أن الاستثناء لا يجوز في البيع إلا ما قام عليه الدليل، ولأن المبيع غير معلوم بالمشاهدة، ولا بالأجزاء، فلم يصح، كما لو قال: بعتك بعضها.
وإن كانا يعلمان مبلغ قفزان الصبرة وذرعان الثوب والدار، فقال: بعتك هذه الصبرة إلا قفيزًا منها، أو هذه الدار، أو هذا الثوب إلا ذراعًا منه.. صح البيع في الدار والصبرة والثوب إلا قدر المستثنى، فإنه غير مبيع. فإن كان مبلغ قفزان الصبرة عشرة.. صح البيع في تسعة أعشار الصبرة. وهكذا في الدار والثوب إذا كانا عشرة أذرع.. صح البيع في تسعة أعشاره.
وإن قال: بعتك قفيزًا من هذه الصبرة إلا مكوكًا.. صح البيع؛ لأنّ المكوك دون القفيز، وكل واحد منهما معلوم.
وإن قال: بعتك هذه الصبرة بأربعة آلاف درهم إلا ما يخص ألفا، أو إلا بألف.. صح البيع في ثلاثة أرباع الصبرة بثلاثة آلاف درهم؛ لأن هذا معلوم.
وإن قال: بعتكها بأربعة آلاف درهم إلا ما يساوي ألفًا.. لم يصح البيع؛ لأن ما يساوي ألفا مجهول.

.[فرع: فيما يباع بأوعيته]

إذا باع سمنًا أو دهنًا في ظرف من زق، أو فخار، وكان مفتوح الرأس.. صح البيع؛ لأنه لا تختلف أجزاؤه، وكذلك إن باع رطلا منه، أو جزءًا معلومًا منه.. صح، كما قلنا في الصبرة.
فأما إذا قال: بعتك هذا السمن، كل رطل منه بدرهم، على أن يوزن الظرف معه، ويحتسب له بوزنه، ولا يكون مبيعًا.. فالبيع باطل؛ لأنه شرط في بيع السمن أن يزن معه غيره.. فلم يجز، كما لو قال: بعتك هذا الطعام، كل مكيال بدرهم، على أن أكيل معه شعيرًا.
قال ابن الصباغ: وينبغي أن يكون إذا علما وزن السمن والظرف.. أن يجوز، ويكون بمنزلة من يقول: على أن أنقصك إردبًّا، وأحتسب ثمنه عليك؛ لأنهما إذا علما ذلك.. فقد علما قدر الزيادة على ثمن الرّطل.
فأمّا إذا قال: بعتك كل رطل بدرهم، على أن يوزن معه الظرف، ثم يحط عنه الظرف.. قال الشيخ أبو حامد: صح لمعنيين:
أحدُهما: أنه إذا حطَّ الظرف.. صار كأنه باع كل رطل بدرهم بلا ظرف.
والثاني ـ قاله أبو إسحاق ـ: أن الناس يتبايعون هكذا في الغالب، فصح لذلك.
فإن قال: بعتك السمن مع ظرفه بعشرة دراهم.. صح البيع؛ لأن السمن متميزٌ عن الظرف، فصحّ، كما لو باع طعامًا مشعورًا.
فإن قيل: فهلاَّ قلتم: لا يجوز، كما قلتم إذا باع لبنًا مشوبًا بالماء؟
قيل: لا نقول ذلك، والفرق بينهما: أن المقصود هناك اللبن، وهو ممزوجٌ بغيره، وليس كذلك هاهنا؛ لأن المقصود منه السمن، وهو متميز عن غيره.
فأمّا إذا قال: بعتك هذا السمن مع الظرف، كلّ رطل بدرهم، فإن كانا يعلمان مبلغ وزن كل واحدٍ منهما.. جاز؛ لأنه لا غرر فيه؛ لأن الظرف هاهنا معلوم. وإن كانا لا يعلمان وزن كلِّ واحدٍ منهما.. ففيه وجهان:
أحدهما ـ وهو المشهور ـ: أنه لا يصح البيع؛ لأن المقصود منه السمن، وقدره مجهول.
والثاني ـ وهو قول الداركي، واختيار ابن الصباغ ـ: أنه يصح؛ لأنه في التفصيل معلوم، كما لو كان جنسًا واحدًا؛ ولأنه قد رضي بكل رطل من كل واحد منهما بدرهم، فصح، كما لو باع كل رطل من الظرف منفردًا بدرهم.

.[فرع: بيع النحل في الخلية]

وهل يجوز بيع النحل في الكُنْدُوجِ؟ في وجهان:
أحدهما قال أبو العباس بن سريج: يصح؛ لأنه يشاهد عند الدخول والخروج.
والثاني: قال الشيخ أبو حامد: لا يصح؛ لأن من النحل ما لا يفارق الكندوج، وقد يكون فيه عسل لا يدرى كم قدره، فإن خرج فرخه، وشوهد جميعه على غصن، أو غيره.. صح بيعه؛ لأنه معلوم مقدور على تسليمه، فصح العقد عليه.

.[مسألة: بيع ما في الأرحام]

ولا يجوز بيع الحمل في البطن؛ لما روى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع المجر».
قال أبو عبيد: هو بيع ما في الأرحام.
وقال ابن الأعرابي: (المجر): الولد الذي في بطن الناقة، والمجر: الربا، والمجر: القمار، والمجر: المحاقلة والمزابنة.
وروى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الملاقيح والمضامين».
قال أبو عبيد: (الملاقيح): ما في البطون، وهي الأجنة، الواحدة منها ملقوحة، اشتقت من قولهم: لقحت الناقة، ولهذا تسمى الرياح، اللواقح.
وأمّا (المضامين): فهو ماء الفحول، وكانوا يبيعون ما في بطن الناقة، وما يضربه الفحل في عام أو أعوام، وأنشد:
إنَّ المضامين التي في الصلب ** ماء الفحول في ظهور الحدب

وإنَّما: سميت: مضامين؛ لأن الله تعالى ضمن ما فيه.

.[فرع: بيع الملاقيح]

فإن باع حيوانًا، وشرط أنه حاملٌ.. فهل يصح البيع؟ فيه قولان:
إن قلنا: إن الحمل له حكمٌ.. صح البيع. وإن قلنا: لا حكم له.. لم يصح البيع.
وإن باعها، وشرط أنها تضع بعد شهر، أو مدة عيَّنها.. قال ابن الصباغ: لم يصح البيع، قولاً واحدًا؛ لأنه شرط ما لا يقدر عليه، فأبطل العقد.

.[مسألة: بيع اللَّبون]

وإن باع حيوانًا على أنّها لبون.. صح البيع.
وقال أبو حنيفة: (لا يصح).
دليلنا: أنّه يتحقق وجوده في الحيوان، ويأخذ قسطًا من الثمن، فجاز شرطه، بخلاف الحمل.
وإن شرط أنها تحلُبُ كل يوم كذا.. فهل يصح البيع؟ فيه وجهان، بناءً على القولين في شرط الحمل.
وإن باع اللبن مفردًا في الضرع.. لم يصح البيع.
وقال سعيد بن جبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يصح.
دليلنا: ما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع اللبن في الضرع، والصوف على الظهر». وقد روي هذا الخبر موقوفًا على ابن عبّاس.
ولأن اللبن في الضرع مجهول؛ لأن الضرع قد يكون لحيما.
وعنده: أن ذلك لبنٌ، وربما مات الحيوان قبل أن يحلب اللبن، فينجس اللبن.
قال الشيخ أبو حامد: ولا أعرف في ذلك خلافًا، ولا في بيع الحمل في البطن.
قال المسعودي [في "الإبانة" ق\224] فإن حلب شيئًا من اللبن.. فهل يجوز بيع الباقي في الضرع؟ فيه وجهان.

.[فرع: بيع الشيء وتابعه]

وإن قال: بعتك هذه الشاة وفيها لبن، أو بعتك هذه الجبة وفيها حشو.. فإن اللبن والحشو يدخلان في البيع بالإطلاق.
وإن قال: بعتك هذه الشاة ولبنها، أو هذه الجبة وحشوها.. ففيه وجهان:
أحدهما قال ابن الحدَّاد: لا يصح البيع؛ لأن ذلك مجهول، ولا يجوز إفراده بالبيع، فلم يجز شرطه في البيع، كما لو قال: بعتك هذه الجارية وحملها.
والثاني: قال أكثر أصحابنا: يصح البيع؛ لأنه يدخل في البيع بالإطلاق، فجاز شرطه في البيع، كما لو قال: بعتك هذا الجوز ولبّه، وهذه الرمانة وحبّها.
وأما الحمل: فإذا قلنا: للحمل حكمٌ، ويجوز شرطُه في البيع.. جاز أن يقول: بعتك هذه الجارية وحملها.
وإن قلنا: لا حكم له، ولا يجوز شرطه في البيع.. فلا يجوز أن يقول: بعتكها وحملها؛ لأنه لا يعلم، ولا يتيقن، بخلاف الحشو، فإنه يتيقن، ولهذا لا بد أن يعلما في البيع ما الحشو.
قال القاضي أبو الطيب: وينبغي إذا قال: بعتك هذا الجوز ولبه، وهذه الرمانة وحبّها.. أن يكون على هذا الخلاف أيضًا.

.[مسألة: بيع الصوف قبل الجزّ]

ولا يجوز بيع الصوف على ظهر الحيوان، وبه قال أبو حنيفة.
وذهب ربيعة، ومالك، والليث: إلى جوازه.
دليلنا: ما ذكرناه من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ولأنه لا يخلو: إما أن يشترط حلقه، أو جزّه.
فإن شرط حلقه.. لم يجز؛ لأنه يؤدي إلى تعذيب الحيوان.
وإن شرط جزّه.. فالجز يختلف ويتفاوت، وذلك لا يمكن ضبطه، ولأنه قد يوجد في وقت أقل مما يوجد في وقت، وليس له عادة مستقرة، بخلاف الجزة من الرّطبة؛ لأنه لا يخاف تعذيبها، ويمكن استيفاؤها، ولأنه قد يموت الحيوان قبل الجز، فينجس الصوف، على الصحيح من المذهب، بخلاف الجزة من الرطبة، فإنه لا يخاف ذلك.

.[مسألة: البيع صورة بكتابة العقد]

وبيع التلجئة: هو أن يتفقا على أن يظهرا العقد خوفا، أو لغير ذلك، فإنه يلجئه وليس بيع، ثم بعد ذلك يتبايعان، فإذا تبايعا.. صح البيع، ولا يمنعه الاتفاق السابق.
وكذلك: إذا اتّفقا أن يتبايعا بألف، ويظهرا ألفين، فتبايعا بألفين فإنّ البيع يلزم بألفين، ولا يؤثر فيه الاتفاق السابق، وهكذا رواه أبو يوسف، عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وروى محمد، عن أبي حنيفة: (أنه لا يصح البيع إلا أن يتفقا على أن الثمن ألف درهم، فيتبايعا بمائة دينار، فيكون الثمن مائة دينار، استحسانًا). وإليه ذهب أبو يوسف، ومحمّد؛ لأنه إذا تقدم الاتفاق.. صارا كالهازلين بالعقد.
دليلنا: أن الشرط السابق لحالة العقد لا يؤثر فيه، فهو كما لو اتفقا على شرط فاسد، ثم عقدا العقد، فإنه لا يبطل العقد.

.[مسألة: لا بيع بلا ثمن]

ولا يصح البيع إلاَّ بثمن معلومٌ، إما بالمشاهدة، أو بالوصف؛ لأنه أحد عوضي البيع، فاشترط العلم به، كالمثمن، فإن قال: بعتك بهذا الدينار، وهما يُشاهدانه.. صح البيع. وإن قال: بعتك بالدينار الذي في بيتي، أو في همياني، فإن كانا قد شاهداه.. صح البيع، وإن لم يكونا شاهداه، أو لم يشاهده أحدهما.. فهو كما لو باعه عبدًا لم يشاهداه، أو لم يشاهده أحدهما، على الخلاف في بيع خيار الرؤية.
وإن قال: بعتك بدينار في ذمتك، فإن كانا في بلد لا نقد فيه، أو في بلد فيه نقودٌ متفاوتة.. لم يصح البيع؛ لأنه عوض مجهول، وإن كانا في بلد فيه نقد غالب.. صح البيع وحمل عليه؛ لأن الإطلاق ينصرف إليه، وإن كان في بلد في نقود متفقة على حد واحد.. فوجهان، حكاهما الصيمري، أظهرهما: أنه يصح البيع.
ولو تعاملا بنقد بلد فيه، ثم لقيه ببلد آخر، ولا يتعامل الناس فيه بذلك النقد، فأعطاه ما عقدا به، فامتنع من له الدين من أخذها.. ففيه ثلاثة أوجه، حكاها الصيمري.
أحدها ـ وهو الصحيح ـ: أنه يلزمه أخذها؛ لأنه لم يجب عليه له غير ذلك.
والثاني: لا يلزمه أخذها، كما لو أعطاه إياها في موضع مخوف.
والثالث: إن كان أهل البلد الذي يعطيه إيّاها بها لا يتعاملون بها أصلا.. لم يلزمه أخذها. وإن كانوا يتعاملون بها بوكس.. لزمه أخذها.
وإن تبايعا بنقد، ثم حرم السلطان المعاملة به قبل قبضه.. قال الصيمري، والطبري في "العدة": وجب تسليم ذلك النقد.
وقال أحمد: (يلزم تسليم قيمته).
دليلنا: أن المعقود عليه قائم مقدور على تسليمه، فلزمه تسليمه، كما قبل التحريم.

.[فرع: البيع بدراهم رديئة]

إذا قال بعتك بألف درهم مكسرة.. قال الصيمري: فقد قال أكثر أصحابنا: يصح. قال: وأظنهم أجازوا ذلك إذا تقاربت قيم المكسرة، فأما إذا اختلفت قيمتها ـ وهي هكذا في وقتنا مختلفة ـ فلا يصح.
قال: وإن قال: بعتك بألف مثلمة أو مثقبة.. لم يجز، إذ لا عادة لها معروفة، وإن قال بعتك بألف صحاح ومكسرة.. ففيه وجهان:
أحدهما: أنه باطل حتى يتبين قدر كل واحد منهما.
والثاني: يصح، فيجعل من كل واحد منهما النصف.

.[فرع: البيع بنقدين]

وإن قال: بعتك بدينار إلا درهمًا.. لم يصح البيع؛ لأن قدر الدرهم من الدينار مجهولٌ، بخلاف الإقرار؛ لأنه يصح بالمجهول. هذا هو المشهور.
وحكى الصيمري وجهًا آخر: إذا كانا يعلمان قيمة الدينار من الدرهم.. صحّ البيع.
وإن قال: بعتك بألف درهم من صرف عشرين درهما بدينار.. لم يصح؛ لأن المسمى هي الدراهم، وهي مجهولةٌ؛ لأن وصف قيمتها لا تصير به معلومة. وإن كان نقد البلد صرف عشرين درهمًا بدينار.. لم يصح أيضًا؛ لأن السعر يختلف، ولا يختص ذلك بنقد البلد.
قال ابن الصبّاغ: وكذلك يفعل الناس هكذا الآن، يسمون الدراهم، وإنما يتبايعون بالدينار، ويكون كل قدر معلوم من الدراهم عندهم دينارًا، وهذا لا يصح؛ لأن الدراهم لا يعبر بها عن الدنانير حقيقة ولا مجازًا، ولا يصح البيع عندهم بالكناية.

.[فرع: الشراء بأجزاء الدينار]

إذا اشترى رجل من رجل ثوبًا بنصف دينار.. لزمه تسليم نصف دينار شق، ولا يلزمه تسليم نص دينار صحيح، فإن أعطاه دينارًا صحيحًا نصفه عمّا عليه، ونصفه وديعة عنده، وتراضيا على ذلك.. جاز، فإذا تراضيا، فأراد أحدهما قيمته، وأراد الآخر كسره، وامتنع الآخر.. لم يجبر على ذلك؛ لأنها قسمة إضرار، وإن امتنع من له نصف الدينار من قبض الدينار الصحيح.. لم يجبر على قبضه؛ لأن عليه ضررًا في الشركة.
فإن باعه ثوبًا آخر بنصف دينار.. لزمه شقا دينار، فإن أعطاه دينارًا صحيحًا عنهما.. فقد زاده خيرًا، فيلزمه قبوله.
وإن باعه الثاني بنصف دينار، على أن يسلم إليه عنه وعن الأول دينارًا صحيحًا، فإن كان البيع الثاني بعد إبرام البيع الأول.. بطل الثاني؛ لأنّه شرط ما لا يلزمه في الثاني، ولا يبطل الأول. وإن كان البيع الثاني في حال خيار الأول.. بطل البيعان، على الصحيح من المذهب.
قال الصيمري: وإن قال: بعتك هذا الثوب بنصفي دينار.. لزمه تسليم دينار مضروبٍ؛ لأن ذلك عبارة عن دينار.
وإن قال: بعتك هذا بنصف دينار وثلث دينار وسدس دينار.. لم يلزمه أن يعطيه دينارًا صحيحًا.

.[فرع: البيع بنقد مغشوش]

وإن باعه أرضًا، أو ثوبًا، أو عرضًا بنقد مغشوش.. نظرت:
فإن كان الغش مستهلكًا، وهي الدراهم الزرنيخيّة، التي غِشُّها الزرنيخ والنُّورة ـ ومعنى قولنا: (مستهلكًا) إذا صفيت وسبكت.. لم يكن لغشها قيمة ـ فإن البيع يصح فيها؛ لأن الفضة التي عليها لا تختلط بالغش، وإنما هي مطلية عليه، فصح البيع.
وإن كان الغش غير مستهلك ـ وهي الدراهم التي هي مغشوشة بالصفر والنحاس، ودنانير الذهب التي غشّت بالفضة ـ فهل يصح البيع؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يصح؛ لأن المقصود منها غير متميز عما ليس بمقصود، فلم يصح البيع، كما لو شيب اللبن بالماء، وبيع، فإنه لا يصح، ولهذا لم يجوز الشافعي بيع تراب الصاغة وتراب المعادن لهذا المعنى، فكذلك هذا مثله.
والثاني: يصح، وهو الأصح؛ لما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال: (من زافت عليه دراهمه.. فليأت بها السوق، وليقل: من يبيعني بها سحق ثوب، أو كذا، أو كذا، ولا يحالف الناس عليها: أنّها جياد). والسحق من الثياب، الخلق منها؛ ولأن المنع من ذلك يؤدِّي إلى الإضرار؛ لأنه لا يمكنه الانتفاع بها جملةً.
قال الصيمري: ولا يثبت هذا النقد في الذمة.
وأما بيع بعضها ببعض: فلا يجوز، وجهًا واحدًا، ونحن نذكر ذلك في الربا إن شاء الله
فإن تبايعا بها، وقلنا: إنه صحيح، ثم بان أن فضتها يسيرة جدًّا.. فهذا عيب فيه، فله الرد.
قال الصيمري: وكان شيخنا أبو الفياض يخرج ذلك على وجهين:
أحدهما: لا رد له؛ لأن عيبها معلوم في الأصل.
والثاني: له الرد؛ لأنه بان أن غشها أكثر من المعتاد.

.[مسألة: بيع المرقوم]

إذا قال رجلٌ لآخر: بعتك هذه السلعة برقمها، أو مما باع به فلان سلعته، وهما لا يعلمان قدر ذلك وقت العقد.. لم يصح البيع؛ لأنه مجهول. وهذا نقل أصحابنا البغداديين.
وقال المسعودي في "الإبانة" [ق\225] إذا باعه السلعة برقمها، وهما لا يعلمان قدره، ثم أعلمه إياه في مجلس البيع قبل التفرق.. فهل يصح؟ فيه وجهان، الأصح: أنه لا يصح.
وإن اشترى أرضًا، أو ثوبًا بملء كفِّه دراهم أو دنانير، وهما لا يعلمان عددها.. صح البيع.
وقال مالكٌ: (لا يصح). وجوز ذلك في النقرة والتبر والحلي.
دليلنا: أنه معلومٌ بالمشاهدة، فصح كالصبرة والنقرة.
وإن قال: بعتك هذه الغنم، كل شاة بدينار، وهما لا يعلمان عددها وقت البيع.. صح العقد.
وقال داود: (لا يصح).
دليلنا: أن غرر الجهالة بالثمن ينتفي بعد عدها، فصح.

.[فرع: بيع العربان]

و: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع العربان».
قال القتيبي: هو أن يشتري الرجل السلعة، فيدفع درهمًا أو دينارًا، على أنه إن أخذ السلعة بالبيع.. كان المدفوع من الثمن، وإن لم يتم البيع، وردّ السلعة.. كان المدفوع هبة للبائع، ولم يسترجعه منه.
قال: ويقال: عربان، وعُربون، وأربان، وأربون، والعامة تقول: عَربون، وهو غير جائز.
وقال أحمد: (يصح هذا البيع).
دليلنا: أنه شرط أن يكون للبائع شيء بغير عوض، فلم يصح، كما لو شرطه لأجنبي.